نزّل وأنزل
*
*
نزّل تنزيلا …
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا الإنسان (23)
تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ السجدة (22)
أنزل مُنزَلا وليس إنزالا ..فلفظ ( انزال ) لم يرد في القرأن الكريم ..
لايوجد فرق بين الفعلين من حيث المعنى .. وانّما يختلف استخدامهما في الجملة حسب مراد الله تعالى في لفت نظر السامع أو القارئ اليه ..
نَزَّل…
******
يكون توجيه النظر الى المُنَزِّل الفاعل أو على مَن نُزِّل أو مِمَّن نُزِّل أو إلى الوقت الذي نُزِّل فيه .. أو الكيفية أو الحالة وما إلى ذلك .. ففي لغة القرآن الكريم نسأل : من نزّل ؟ .. ولا نسأل : من أنزل ؟
ونسأل : على مَن نُزّل ؟ ولا نسأل : على مَن أُنزِل ؟ ونسأل : متى نُزِل ؟ ولا نسأل متى أُنزِل ؟
أنزل ..
******
يكون التّركيز على الشيء الّذي أُنزِل حصرا ..
ففي القرآن الكريم نسأل : ماذا أنزل ..ولا نسأل : ماذا نَزَّل ؟
قال الله تعالى :
*
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ العنكبوت (63)
مَّن نَّزَّلَ ؟ فكانت الاجابة : الله .. ولم تأتِ بصيغة ( من انزل ) ..
*
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الأنعام (37)
نُزّل عليه آية من ربه … التركيز على ( من ربه ) و ليس على ( آية ) .. لان الاجابة كانت : ان الله قادر على ان يُنزّل آية .. فالله تعالى هو من ينزل الآيات ..
*
وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ يونس (200)
أنزل عليه آية من ربه … التركيز هنا على الآية حصرا ..لان الفعل نزل ورد بصيغة ( أنزل ) و ليس ( نزّل ) ..
*
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ الأنعام (7) .. في قرطاس
لم يكن التركيز على الكتاب حصرا .. بل على كونه ( في قرطاس ) اي حالة الكتاب ..
*
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزخرف (31)
عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ … نُزّل على رجل من القريتين عظيم ..على من نزّل ؟
وكذلك :
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ الشعراء (2211)
*
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ النحل (102)
من نزلّه ؟ روح القدس ..
*
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا الإسراء (93)
حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ..حتّى تنزّل انت علينا يا محمد كتابا نقرؤه .. فكانت الاجابة : هل انا الا بشر رسول ولا يمكنني ان انزل كتابا …
*
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ الأعراف (1966)
اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ .. التركيز على ان الله تعالى هو الذي نزّل الكتاب أكثر من التركيز على ماذا انزل ؟ فهو وليّه وهو يتولّى الصالحين
*
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ المائدة (101)
حبن ينزّل القرآن … لفت الانتباه الى الوقت .. فجاءت بصيغة ( ينزّل )
*
قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا الإسراء (955)
قالوا أبعث الله بشرا رسولا ..اي انهم يطلبون ملكا رسولا ..فاجابهم الله تعالى لو كان في الارض ملائكة لنزّلنا عليهم ملكا رسولا ..اي عليهم هم فقط .. اي استخدام صيغة التنزيل فيكون التّركيز على المنزّل عليه أكثر من التركيز على الذي أنزل .. وهو الملك .
*
وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ النحل (244)
ماذا أنزل ؟ أساطير الاولين .. ولا يمكن ان تأتي : ماذا نزّل ربكم ؟
*
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر (1)
انزلناه … ماذا انزلنا ؟ لفت الانتياه و تسليط الضوء واعطاء الاهمية العظيمة للذي انزل كونه انزل في ليلة القدر وهي ليلة عظيمة ومباركة ..
*
لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ الحشر (21)
لفت الانتباه الى عظمة هذا القرآن و اهميته ومنزلته ..
لو قال ( لو نزّلنا هذا القرآن على جبل ) لكان لفت الانتباه الى الجبل .
*
مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ البقرة (105)
ما يود الذين كفروا ان ينزل عليكم انتم حصرا من خير من ربكم .. فكانت اجابة الله تعالى : والله يختص برحوانزلنا عليكم المن مته من يشاء اي انه اختاركم انتم لينزّل عليكم الخير ( على من نزّل ؟)
*
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ البقرة (57)
*
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ الأعراف (160)
*
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ طه (80)
انزلنا و نزّلنا المن و السلوى .. وهذا يثبت انه لا فرق في المعنى بين الفعلين ( نزّل ) و ( أنزل )
فقد وردت مرتين بصيغة ( أنزلنا ) لان التركيز على المن و السلوى حصرا ..بدليل انه جاء بعدها : كلوا من طيبات ما رزقناكم ..
أمّا عندما جاءت بصيغة ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ) كان التركيز و تسليط الضوء على : عليكم انتم يا بني اسرائيل ..ولم يأتِ بعدها ذكر للأكل أو ما شابه ..
*
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا النساء (174)
ماذا انزلنا ؟ .. نورا مبينا .
*
ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ التوبة (26)
أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
وَأَنزَلَ جُنُودًا
لفت النظر الى ماذا انزل الله تعالى ..السكينة و الجنود
*
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ الحج (63)
اهمية و قيمة هذا الماء الذي جعل الأرض مخضرّة
*
وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ الأنعام (88)
لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ … ما الذي انزل ؟ ملك ..
*
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
قال الحواريون هل يستطيع ربك ان ينزّل علينا مائدة من السماء ؟ التركيز ليس على المائدة حصرا بل على المُنَزّل وهو الله تعالى فيتساءل الحواريون عن استطاعة الله تعالى بتنزيل مائدة بدليل انهم قالوا : ربك .. و ليس ربنا ..فقال لهم عيسى عليه السلام : اتقوا الله .. و طلب من رب العالمين : اللهم ربنا انزل علينا مائدة تكون لنا عيدا لاولنا و آخرنا . فكان تركيزه على المائدة حصرا لانه يعلم ان الله تعالى قادر على التنزيل ..فجاء طلب عيسى عليه السلام ان تكون المائدة لجميع القوم ومنها ايضا يتأكّد الحواريون من قدرة الله تعالى على التنزيل .. ولكن جاء الردّ الربّاني : إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ .. بصيغة التنزيل اي انه منزّلها عليهم حصرا على عيسى و الحواريين و ليس على كلّ القوم ..فان يكفروا بعدها فيعذبّهم عذابا لا يعذبّه أحدا من العالمين ..
ما الفرق بين الآيتين التاليتين ؟
*
قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ يس (15)
*
قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ الملك (99)
في سورة ( يس ) وما أنزل الرحمن من شيء ..ينفون ان هناك شيئا انزل حصرا لانها جاءت بصيغة ( انزل ) اي انهم ينفون ان هؤلاء الرسل قد جاءهم في ذلك الوقت وحي من ربهم اي انهم يكذّبون أولئك الرسل …
امّا في سورة ( الملك ) ينفون ان يكون الله تعالى قد نزّل شيئا في يوم ما أي انّهم لا يعترفون ولا يؤمنون انّ الله يمكن ان يكون قد انزل شيئا على أي رسول عبر الزّمن ..
*
*
وفاء برهان